ما معنى أن
تكون هامشيا؟!*
-1-
الهامش!... يا الهامش!... ما الهامش؟!
عندما نقول: "موضوع هامشي"؛ "شيء هامشي"؛ "إنسان هامشي"؛ "منطقة هامشية".. هل الوصف بالهامشي أو النعت به قدحي؟ أليس لكل واحد منا "هوامشه" التي غالبا ما تكون أجمل ما يفضل؟
-2-
أسال موضوع الهامش الكثير من المداد واللعاب.. إذ أضحى موضوعا للارتزاق الثقافي والخطاب الإيديولوجي الفج.. بل موضوعا يستسهله الكثير للوصول إلى "المركز"... هل هناك مركز فعلا يسيل كل هذا اللعاب؟! هل نستطيع معاودة التفكير في الموضوع وفق رؤية تتجاوز ما هو كائن؟ وهل يمكن التفكير في استراتيجية عملية بعيدة عن النفخ في موضوع لم يعد يحتمل أي خطاب ديماغوجي؟ هل يستطيع المثقف أن ينفك عن خطاب السياسي من حيث تناوله لموضوع الهامش؟
-3-
أن تكون هامشيا معناه:
أن تشتغل عن المواضيع الثقافية المهمشة وعن القضايا الهامشية وعن قضايا الأقليات: من لا صوت لهم...
ألا تشتغل كما يشتغل السياسي (يحضر ويغيب، يضرب ويهرب...).
أن تبتعد عن "الازدحام الثقافي": معناه أن تتنفس هواء نقيا غير ملوث... وأن تتأمل قضايا الذات والكتابة في منأى عن اللغط.. فاللغط لا يصنع المثقف!
أن تكون كاتبا هامشيا: يتحدد ذلك بالموقف وبالالتزام وبتحمل عقبات الاختيار...
أن تكتب بالتجزيء: لا أستطيع أن أدرك الواقع إلا كشظايا.. مهمتي جمع الشظايا.
أن تظهر متى حضر الإنتاج: ليس المهم الحضور الدائم أو الضَّاج.. بل الحضور من خلال الكتابة.. أن تخرج للناس بالمنتوج لا "بالدلقوش"!
أن تغير الأشياء والناس متى أحسست بالضيق...
أن تكتب في مجالات مهمشة.. ولذلك اخترت الاشتغال على هوامش ثقافية:
ـ في القصة: قصتها قصة في البلد...
ـ في السينما: فيلمها فيلم في البلد...
ـ في الفلسفة: فلسفتها فلسفة في البلد...
أخيرا.. وبوضوح.. أن تكون هامشيا، معناه أن تكون ابن البلد (ليس بالمعنى القدحي "لِوَلْدْ لَبْلاَدْ" التي تفيد التحيز لجهة جغرافية أو انتماء قَبَلِيّ أو عرقي ما...)، بل:
ـ لا تريد الخروج منه ولو وجدت البديل...
ـ لا تتنكر له ولو قهرك أهله...
ـ لا تتعالى عن أبنائه ولو أظهروا العجز...
-4-
الهامش تهميش للعدوان في مقابل حضور السلام... إقصاء للاحتكار في مقابل ترجيح التعدد... نشدان الاختلاف عوض الإقصاء...
حضور التواضع أثناء تضخم الأنا... رفض تقمص دور العَرَّاب في مقابل استحضار المُحْتَضِنِ الذي لا يَمَنّ ولا يُبْخِس ولا يدعي...
* ألقيت هذه الورقة في إطار فعاليات زمن الكتاب الذي نظمته دار الشباب أمزميز يوم: 17/03/2007 احتفاء بأعمال الكاتب.
